الأحد، 18 ديسمبر 2011

ضرورة ترشيد استعمال المطهرات الكيميائية

حدثت خلال العقدين الماضيين زيادة كبيرة في استعمال المطهرات الكيميائية في الاعمال المنزلية، فضلا عن استخدام صابون طبي وشامبو  وسوائل وجيل تحتوي على مواد كيماوية قاتلة للميكروبات في تنظيف الأيدي والجسم والشعر . ويعتقد غالبية الناس أن استعمال المطهرات يؤدي فعليا للوقاية الكاملة من إنتقال معظم الأمراض المعدية لهم، وبخاصة أن وسائل الدعاية في الصحف والتلفزيون تصف بعض المطهرات بمواد التعقيم وبأنها ذات المفعول السحري وتقتل كل الميكروبات المعدية للإنسان.

والحقيقة أن تأثير المطهرات يفضي فقط الى خفض مستوى تركيز الميكروبات في أي مكان لدرجة الأمان، ولا يؤدي للقضاء على جميع أنواع الميكروبات كما تفعل عملية التعقيم التي تؤدي الى التخلص من جميع أنواع الميكروبات، والتي تستعمل بكثرة في المستشفيات لمنع نقل العدوى بجميع الميكروبات الى المريض.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الميكروبات الطبيعية التي تستوطن جلد الإنسان وتعيش في بيئته تلعب دورا مهما في حماية الجسم من الميكروبات المعدية وتقوي مناعة الجسم، كما بينت الأبحاث أن بعض أنواع هذه الميكروبات وبخاصة البكتيريا منها أصبحت حاليا مقاومة لعدد من المطهرات نتيجة لكثرة وسوء استعمال المطهرات.

ويمثل جلد الإنسان خط الحماية الأول في منع دخول الميكروبات الى أنسجة وسوائل الجسم الداخلية مثل الدم، بالاضافة الى أن إفرازات الجلد المختلفة وكثافة بشرة الجلد تمنع عمليا تكاثر الميكروبات.

وتستوطن معظم ميكروبات الجلد في نسيج الظهارة السطحي أو في خلايا الجلد الصلبة والميتة، وتعمل الغدد الزهمية والعرقية الموجودة بين طبقات الجلد والتي تصب قنواتها على سطح البشرة مباشرة على منع تبخر الماء الزائد من الجلد، وتحافظ على درجة حرارة الجسم المناسبة للظروف الجوية المحيطة به، كما تساعد على نعومة وليونة الجلد، وتمنع التصاق وتكاثر الميكروبات. وتفرز الغدد الزهمية في مسامات الجلد مادة زيتية تسمى بالزهم، وهي خليط من الدهون المعقدة والكوليسترول والبروتينات والأملاح اللاعضوية، ويقوم على الأقل نوعان من البكتيريا، بروبيوني بكتريوم
Propionibacterium  وكورينا بكتريوم Corynebacterium والتي تعيش عادة بكثرة في بصيلات الجلد والتي يصل عددها الى خمسة ملايين، بتحطيم الدهون الى أحماض دهنية غير مشبعة، تمنع نمو معظم أنواع البكتيريا الأخرى وبعض الفطريات المعدية.

وتفرز أيضا الغدد العرقية في مسامات الجلد مادة لايزوزيم التي تمنع أنواعا من البكتيريا والفيروسات من غزو أنسجة الجلد الداخلية، إضافة الى ان الغدد العرقية تفرز خليطا من الماء والاملاح واليوريا والأمونيا، وأحماض اللبن واليوريك والاسكوربيك العضوية التي تحافظ على بكتيريا الجلد الطبيعية والمفيدة للجسم. وباختصار هناك علاقة تجانس وتعايش مشتركة ومهمة بين بكتيريا الجسم الطبيعية وجلد الإنسان.

التهابات الجلد  السطحية


يتعرض جلد الانسان لعوامل كيميائية وفيزيائية داخلية وخارجية، أهمها التعرض لأشعة الشمس والرطوبة والجفاف لفترة طويلة أو المرض، فتؤدي هذه العوامل في بعض الاحيان الى تشققات دقيقة غير مرئية بطبقة البشرة السطحية، مما يعرضها لهجوم الميكروبات الانتهازية التي قد تسبب التهابات موضوعية وحب الشباب وأمراض جلدية فطرية والأكزيما والصداف.

وقد تنتشر أحيانا الميكروبات التي تسبب التهابات الجلد البكتيرية أو الفيروسية الى أنسجة الجسم الداخلية، مسببة عدة أمراض جهازية ووعائية خطيرة.

وعموما يتعرض جلد الإنسان أثناء المرض بالسكري ونقص المناعة لهجوم أنواع من البكتيريا والفطريات الجلدية الانتهازية ومن أكثرها فطريات الجلد السطحية وفطريات الكنديدا وبكتيريا ستفلوكوكوس الذهبية واسعة الانتشار في الطبيعة وفي مناطق مختلفة من جلد الإنسان، وتستغل الفطريات بسرعة أي ضعف في بشرة الجلد لتسبب أمراضا جلدية حادة أو مزمنة. وتنتشر أمراض الجلد الفطرية بين نسبة كبيرة من الأشخاص من مختلف الأعمار وفي جميع البلدان وبنسب متفاوتة حسب الحالة الصحية والمعيشية لهم، وتظهر بشكل بقع تغير لون الجلد وتحدث احمرارا وحكة وتحسسا موضوعيا، وبعضها يظهر ويختفي بالمعالجة خلال أيام، وأخرى تصبح مزمنة طوال العمر.

سوء استعمال المطهرات


إن زيادة استعمال المطهرات ومستحضرات ترطيب الجلد ومستحضرات منع رائحة عرق الجسم بشكل يومي ومتكرر في تنظيف اليدين والجسم بدل استعمال الماء والصابون، قد لا يفيد الجلد بل يضره على المدى البعيد، وبخاصة إذا كانت نسبة تركيز المطهرات عالية وتقضي على نسبة كبيرة من البكتيريا الطبيعية الموجودة في مسامات الجلد . وسيؤدي هذا التطور الى استيطان أنواع ضارة من البكتيريا المقاومة للمطهارات. ومن المعروف جيدا أن معظم أنواعمستحضرات تنظيف الجلد والشعر التي تباع في الأسواق تحتوي على مادة تريكلوزان
Triclosan أو مادة الأمونيوم الرباعية Quaternary ammonium compounds وبنسبة أقل على مادة الكحول الطبية أوالأنزيمات التي تحلل البروتينات والدهن. ومن المهم أن نبين هنا بأن هذ\ه المواد لها تأثير قاتل على الميكروبات، ولكن لها أيضا سمية على أجهزة جسم الإنسان إذا زاد تركيزها على المستوى الامان للاستعمال، ولذلك يوصى بأن لا يزيد تركيزها على 1%. ويفترض بالدوائر الصحية المختصة بمراقبة الدواء أن تفحص مكونات المطهرات والمستحضرات المنظفة للجسم وتتأكد من كمية المادة االمطهرة المضافة.

وأخيرا أثبتت الدراسات الحديثة أن كثرة استعمال المطهرات الكيماوية في التنظيف ومستحضرات التجميل التي تحتوي على نسبة تركيز قليلة من المضادات الحيوية أو المطهرات يؤدي الى مساعدة البكتيريا على تطوير مقاومة ضدها، ويجعل فائدتها محدودة أو معدومة في النهاية، ولذلك نؤكد بأن غسيل اليدين والجسم بالماء والصابون العادي يكفي في معظم الحالات لتنظيف الجسم ومنع العدوى بالميكروبات الضارة، ونوصي أيضا باستعمال مستحضرات ترطيب الجلد و الخالية من أية إضافات كيماوية ضد الميكروبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق