الأحد، 18 ديسمبر 2011

خطورة زيادة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية

 انعقد في رحاب جامعة تشرين السورية باللاذقية المؤتمر العربي الثامن للمضادات الميكروبية ( الحيوية) وبالتعاون ما بين كلية الطب فيها والجمعية العربية للاستخدام الأمثل للمضادات الميكروبية. وشارك في المؤتمر نخبة من الباحثين العرب من 12 بلدا عربيا. وقدم المشاركون خلاصة أبحاثهم وتجاربهم وتبادلوا النقاش في مختلف مواضيع المضادات الميكروبية، وخلصوا الى نتائج وتوصيات مهمة يجب أن يعرفها المسئولون العرب عن الصحة العامة في بلادهم، كما يجب أن تصل الى إسماع كافة المختصين من أطباء بشريين وأسنان وأطباء بيطريين وصيادلة ومختبرات طبية وغيرهم من المهتمين بصحة ورفاه أفراد المجتمع. وقد بينت كافة الدراسات العلمية التي قدمت بالمؤتمر، والتي تم إجراءها حديثا في البلدان العربية، بأن هناك زيادة كبيرة في انتشار مقاومة الميكروبات للمضادات الميكروبية، وخاصة منها بعض سلالات البكتيريا التي تنتشر بين مرضى المستشفيات، وتشكل خطرا متزايدا على صحة وحياة المرضى، كما تؤدي الى زيادة هائلة بتكلفة أقامة المريض في المستشفى.



ولمعرفة أبعاد ظاهرة زيادة مقاومة البكتيريا لأدوية المضادات، علينا أن نعود قليلا الى التاريخ القريب، ونتذكر بأنه تم اكتشاف البنسلين في أحد مختبرات جامعة أكسفور البريطانية عام 1928م وتبين أن الفطر الأخضر الذي ينمو على الخبز والألبان في بيوتنا ينتج مادة البنسلين، وتوصل العلماء بعد أبحاث وجهد طويل الى انتاج دواء البنسلين في عام 1941م. وكأول مضاد حيوي، أدهش الأطباء بمفعوله الساحر في علاج الالتهابات والأمراض التي تسببها بعض أنواع البكتيريا المعدية للإنسان، وانقذ استعمال البنسلين خلال الحرب العالمية الثانية حياة ملايين الجرحى. ولكن الفرحة بقوة علاج البنسلين لم تستمر طويلا، فلم تمض سوى سنتين على استعماله، حتى أخذت بعض سلالات البكتيريا تقاوم تدريجيا مفعول البنسلين، وحاليا أصبح استعمال البنسلين محدوداً جداً في العلاج



وقد تم أيضا خلال نصف القرن الماضي،أكتشاف وتصنيع عشرات المضادات الحيوية الرئيسية الآخرى التي استعملت وبعضها لا يزال يستعمل بنجاح في العلاج، والتي استطعت أن تنقذ حياة ملايين البشر الذين كانوا يموتون في السابق نتيجة أصابتهم بالميكروبات المعدية التي كانت تسبب نسبة عالية من الأمراض القاتلة، مثل الكوليرا والتيفوئيد والملاريا والتهابات الجروح وتسمم الدم  والتهاب السحايا وغيرها الكثير من الأمراض الجرثومية. ولكن على الجانب الآخر تبين لاحقا، بأن معظم أنواع البكتيريا ومعها بعض أنواع الفيروسات والفطريات والطفيليات المعدية أستطعت أن تطور آليات مقاومة ضد معظم هذه المضادات، وجعلت الكثير منها غير صالحة للاستعمال. وحاليا أصبحت ظاهرة مقاومة الميكروبات ضد المضادات الحيوية مشكلة عالمية، وتختلف نسبة أنتشارها من بلد الى آخر حسب مدى استعمالاتها بصورة جيدة في كل بلد.



ومن المؤكد والموثق علميا بالدراسات والأبحاث أن زيادة مقاومة سلالات الميكروبات المعدية للمضادات الميكروبية أصبحت من أهم المشكلات الطبية التي يلاحظها الأطباء كمسبب رئيسي في فشل علاج الالتهابات والحميات الحادة التي يصاب بها المريض داخل وخارج المستشفيات، كما تؤدي الى زيادة نسبة الوفيات بين المرضى، وتزيد من كلفة علاج المرضى الى عدة أضعاف، وهذه التكلفة الزائدة تقدر سنويا بعدة بلايين من الدولارات في الولايات المتحدة الأميركية لوحدها.

وقد تبين للمشاركين بالمؤتمر وبناء على الدراسات والأبحاث التي قدمت أن هناك سوء استخدام واسع للمضادات الميكروبية في البلدان العربية، وخاصة أن أعدادا كبيرة من الأشخاص في هذه البلاد لا يزالون يحصلون بسهولة على أدوية المضادات الميكروبية من الصيدليات بدون وصفة طبية، أو يستعملون ما تبقى من دواء سابق لهم أو لغيرهم. وتؤكد كافة الأبحاث العلمية بأن زيادة انتشار مقاومة الميكروبات للمضادات وخاصة بين أنواع البكتيريا المفيدة والطبيعية الموجودة في جسم الإنسان يترافق تصاعدياً مع زيادة وسوء استخدام هذه الأدوية عند الإنسان والحيوان في أي مجتمع أو بلد. وهناك أجماع واتفاق في الرأي بين العلماء بأن استخدام المضادات الحيوية بأي شكل يجب أن يعتبر موضوعا غير خاص فقط بصحة الفرد، وإنما يجب النظر له بأنه يؤثر بصورة غير مباشره ولو بعد مدة قصيرة أو طويلة على باقي أفراد المجتمع، لكون أن نشوء سلالة من الميكروب مقاومة لأي مضاد حيوي عند أي مريض قد يؤدي لاحقا الى انتشارها الى باقي المرضى أو العاملين في داخل المستشفى وخارجه، ومن ثم الى باقي أفراد المجتمع.

ومن أهم توصيات المؤتمر تكرار الدعوة الى ترشيد استعمال المضادات الميكروبية داخل وخارج المستشفيات، والعمل جديا وبإخلاص على الإستخدام الأمثل لها في جميع مجالات الطب وطب الأسنان والطب البيطري وغيرها، وأن يعرف الجميع الحقيقة العلمية التالية، بأن زيادة انتشار مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية يتضاعف مع سوء وكثرة استعمال المضادات بدون ضوابط علمية تحدد استعمالاتها بدقة، وستؤدي عاجلا أو آجلا الى عدم صلاحيتها في علاج المرضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق