الأحد، 18 ديسمبر 2011

تصنيع أول خلية حيوية في العالم

أعلن العلماء في معهد الأبحاث البيولوجية المعروف باسم جي كريخ فينتر ( J. Craig Venter ) في كليفورنيا بالولايات المتحدة، بأنهم نجحوا بتصنيع أول خلية بكتيرية حية في المختبر، وذلك بتجميع كافة مادتها الوراثية المكونة من 1.008000  وحدة  من مركبات الحامض النووي الكيماوية الأساسية المعروفة باسم دي إن أيه(DNA)، والتي تم أستخدامها لتصنيع جينوم (كرموسوم) الخلية. و يتكون الجينوم من شريط مزدوج يتألف من مادة  دي إن أيه، وهو محكم التركيب والتنسيق، ويحتوي على مجمل الشفرة الوراثية التي تضم كافة المعلومات الضرورية لتنظم وعمل أي خلية في أي كائن حي، مثل الإنسان والحيوان والنبات أو البكتيريا. ولكل كائن حي شفرة وراثية خاصة به تعمل على تنظيم وأنتاج جميع مشتقات المواد الأولية ومركباتها من بروتينات وسكريات وإنزيمات وغيرها من المواد الحيوية التي تحدد كافة صفات وتصرفات الخلية الحيوية، بما فيها آلية نموها وتكاثرها من خلية واحدة الى بلايين الخلايا إذا توفرات لها المواد الغذائية الأساسية والظروف الفسيولوجية المناسبة.

وقد أستغرق العمل بمشروع تصنيع الخلية البكتيرية الحية 15 سنة كاملة، وكلف ما يقارب من 40 مليون دولار أمريكي. وقد تم نشر نتائج هذا البحث المثير في مجلة العلوم الأمريكية بتاريخ 20 مايو 2010.



كيف تم تصنيع الخلية البكتيرية الجديدة

لقد تم أولا التعرف على خارطة الشفرة الوراثية ( الجينوم) لنوع من بكتيريا الميكوبلازما تعرف بأسم
Mycoplasma mycoides ، والميكوبلاما تعتبر من أصغر أنواع البكتيريا حجماً، وتحتوي على جينوم صغير يتكون من 958 جين، فيما باقي أنواع البكتيريا تحتوي على جينوم أكبر يضم ما بين 3 و5 آلاف جين، وأما جينوم خلية من الإنسان فيضم 23 آلف جين.  كما أن الجدار الخلوي للميكوبلازما بسيط التركيب ويختلف عن باقي أنواع البكتيريا، وتسبب أنواع الميكوبلازما عدة أمراض في الجهاز التفسي والتناسلي للإنسان والحيوان، وقدم تم عزل نوع الميكوبلازما التي استعملت لأجراء البحث أصلا من الماعز. 

وقد استعمل الباحثون خريطة شريط جينوم الميكوبلازما الصغير كمرجع لسهولة تجميع وتصنيع جينوم مماثل له تماماً باستعمال أجهزة الكمبيوتروأجهزة تصنع المادة الوراثية. وبدأت أول خطوات العمل بتصنيع أجزاء صغيرة من شريط الجينوم، ونقلها الى داخل خلايا خميرة من أجل تجميع أجزاء أكبر من شريط الحامض النووي المزدوج، وثانيا تم نقل هذا الشريط المركب الى داخل خلايا بكتيريا القولون ليكتمل تجميع وتركيب كافة أجزاء شريط الجينوم بمساعدة الإنزيمات الرابطة والمتوفرة عادة داخل هذه الخلايا المستعملة. وبعد أن تم أكتمال تكوين الجينوم الجديد، جرى عزله بصورة نقية، ونقله الى داخل جسم خلية من نوع آخر من بكتيريا الميكوبلازما بعد أن تم تفريخ محتواها الداخلي من الجينوم الخاص بها. وقد لاحظ العلماء بأن الخلية المصنعة الجديدة بدأت بالنمو وأنتاج نفس التفاعلات الحيوية التي تقوم بها خلية الميكوبلازما الأصلية، لأن الجينوم الجديد بداخلها يحتوي على نفس الشفرة الوراثية.  وبهذه النتيجة أعتبر الباحثون في معهد فينتر بأنهم نجحوا لأول مرة  في تاريخ البشرية من تصنيع خلية حية من البكتريا. وأكد الباحثون بأنهم حصلوا على موافقات اللجان الخاصة بأخلاقيات البحث العلمي قبل البدأ بالبحث، وبأنهم أختاروا بكتيريا الميكوبلازما لتجاربهم، لكونها لا تنمو وتنتشر بسهولة في بيئتها الطبيعية وتحتاج الى خبرة واسعة لتنميتها في المختبرات.



أهمية تصنيع خلية بكتيرية حية

أعلن الباحثون في معهد فنتر أن هذا الإنجاز العلمي سيساعد في المستقبل على تصنيع أنواع مفيدة من البكتيريا تقوم بأنتاج مواد هامة وضرورية لحياة البشر، كمثال أن تقوم أنواع من البكتيريا معدلة وراثيا بأنتاج لقحات ضد الأمراض المعدية أو بتحويل الكربون في الجو الى مركبات كيماوية تشابه البترول أو  العمل على أنتاج مواد أستهلاكية للبشر بصورة نظيفة لا تلوث البيئة. ومما لا شك فيه بأن نتائج هذا البحث العلمي سيمثل بداية لأبحاث تعمل على تطوير أنواع متعددة من الميكروبات بأستعمال آليات الهندسة البيولوجية المتقدمة والتي أصبحت متوفرة في عدد كبير من مختبرات العالم. ونظريا قد يؤدي هذا الأختراع أيضا الى نتائج  خطيرة على الحياة البشرية، وخاصة إذا قرر أحد العلماء أو المختبرات البحثية في المستقبل أن يقوم بالتلاعب بجينات نوع من البكتيريا أو الفيروسات تعيش بصورة طبيعية وغير ممرضة منذ آلاف السنيين في جسم الإنسان أو الحيوان، وتحويلها الى ميكروبات معدية  يصعب القضاء عليها بالمضادات الحيوية أو اللقاحات. ولذلك أسرع مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي للدعوة الى جلسة نقاش عاجلة للتشاور حول هذا موضوع تصنيع الخلية الحية ومدى خطورتها على مستقبل أمريكا.



ماذا يقول علماء العالم عن هذا الحدث العلمي

أعترف العلماء بأهمية هذا التطور العلمي المميز، وإمكانات الأستفادة منه في مجلات علمية مختلفة، وخاصة في الطب والصناعة والبيئة. وأعلن بعض العلماء المعروفين عالميا، ومنهم العالم البريطاني بول نيرس الحائز على جائزة نوبيل بالطب والفسولوجيا عام 2001، بأن الجينوم الذي تم تصنيعه لا يمكن اعتباره خلق نوع جديد من الخلايا الحياه، وأنما إنجاز  علمي  مميز يتمثل بتجميع ووضع جينوم مصنع كليا في داخل خلية بكتيرية موجودة أصلا، ولم يتم تصنيعها بالطرق الكيماوية. وبين العلماء أيضا أنه ليس من السهل على الإقل بالوقت الحاضر أن يتم عمليا تطبيق هذا التطور العلمي بتصنيع خلية بشرية. ومع ذلك يجمع العلماء على ضرورة المحافظة على أخلاقيات وتصرفات البحث العلمي، كما يجب العمل على أنشاء مؤسسات وطنية ودولية تراقب نشاط مختبرات الأبحاث البيولوجية، لمنع سوء أستخدامها في المستقبل فيما يهدد أو يتلاعب بستقبل حياة البشر أو يؤثر على التنوع والتوازن الحيوي في الطبيعة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق