الأحد، 18 ديسمبر 2011

اكتشاف البصمة الوراثية

1.       وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ )19حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ )20( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )21( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ )22( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) 23( فإن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ)24( صدق الله العظيم سورة فصلت الآيات )19-24(

بدأ الاهتمام بالبصمة الوراثية بعد أن طالعتنا الصحف لعدة أسابيع بما يسمى فضيحة (مونيكا جيت) واضطرار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إلى الاعتراف بالكذب بمجرد التلويح له بتحليل عينة من سائله المنوي على قطعة من ملابس مونيكا المتدربة لديه بالبيت الأبيض ، وكذلك إثبات نسب آنستازيا إلى أخر القياصرة الروس (نيقولا الثاني) ومحاولة التعرف على ضحايا قطار الصعيد المتفحمين ، واثبات شخصية الجناة في حادث سرقة بنك المراغة في محافظة سوهاج . انفجارات طابا وأخيرا عبارة الموت .كما زاد الاهتمام بها بعد ما أثير بشأن استعمالها في إثبات نسب ابنة احد الفنانين مؤخرا .

اكتشاف البصمة الوراثية :

لم تُعرَف البصمة الوراثية حتى جاء عام 1984 حينما نشر د. "إليك جيفري" عالم الوراثة بجامعة "ليستر" بلندن بحثًا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات ، وتعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة.

وواصل أبحاثه حتى توصل بعد عام واحد إلى أن هذه التتابعات مميِّزة لكل فرد ، ولا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالات التوائم المتماثلة فقط ؛ بل إن احتمال تشابه بصمتين وراثيتين بين شخص وآخر هو واحد في الترليون ، مما يجعل التشابه مستحيلاً ؛ لأن سكان الأرض لا يتعدون المليارات الستة ، وسجل الدكتور "إليك" براءة اكتشافه عام 1985 .

وأطلق على هذه التتابعات اسم " البصمة الوراثية للإنسان "
The DNA Fingerprint " ، وعرفت على أنها " وسيلة من وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع " DNA " ، وتُسمَّى في بعض الأحيان الطبعة الوراثية "DNA typing " بل إن هناك من يطلب استعمالها في استحداث وتطوير علم ( جينوميا الجريمة ) وتحديد الجناة من المشتبه فيهم .

وكان اكتشافها في قضية في جامعة ليستر بإنجلترا هي قضية قتل واغتصاب وبتحليل فصائل الحيوانات المنوية تبين وجود مرض الثهثهة ، واعترف شخص تبين انه ليس القاتل . ثم تم ضبط القاتل بعد ذلك من كلامه بإحدى الحانات وهو مخمور .

ولم تتوقف أبحاث د."إليك" على هذه التقنية ، بل قام بدراسة على إحدى العائلات يختبر فيها توريث هذه البصمة، وتبين له أن الأبناء يحملون خطوطًا يجيء نصفها من الأم ، والنصف الآخر من الأب ، وهي مع بساطتها تختلف من شخص لآخر .

ويكفي لاختبار البصمة الوراثية نقطة دم صغيرة ، بل إن شعرة واحدة إذا سقطت من جسم الشخص المُرَاد ، أو لعاب سال من فمه (مختلطا بخلايا من جدار الفم أو اللثة) ، أو أي شيء من لوازمه ، فإن هذا كفيل بأن يوضح اختبار البصمة بوضوح ولو كانت العينة أصغر من المطلوب ، فإنها تدخل اختبارًا آخر ، وهو تفاعل إنزيم البوليميريز (
PCR) ، والذي نستطيع من خلال تطبيقه مضاعفة كمية (DNA) في أي عينة ، ومما وصلت إليه هذه الأبحاث المتميزة أن البصمة الوراثية لا تتغير من مكان لآخر في جسم الإنسان ، فهي ثابتة بغض النظر عن نوع النسيج ، فالبصمة الوراثية التي في العين تجد مثيلاتها في الكبد.. والقلب.. والشعر.

لقد أصبحت المشكلة الوراثية ذات أبعاد دينية واجتماعية متشابكة فهل أصبح من حق المجتمع أن يجبر السيدة على إجهاض نفسها أو أن يمنعها من ذلك إذا أرادت وماذا نفعل إذا علمت أنها حامل في جنين مصاب بالبله المغولي وهو أمر سهل معرفته خلال فترة الحمل لوجود كروموسوم زائد وهو مرض لا يتكرر في الأبناء وإنما يحدث في حالة الأم كبيرة السن . وكذلك ثار تساؤل عن سبب عدم محاولة التحسين الوراثي وهو ما قد يؤدي إلى إحصاء المتخلفين عقليا مثلا وإعدامهم !!! وقد نسمع في المستقبل عن نشأة محاكم وراثية .

ومدى قانونية الاختبارات التي تجريها شركات التامين وأصحاب العمل والمقبلين على الزواج ، وهل هناك جينات للإجرام ، وهل إذا وجد سنقبض على حامله حتى لو لم تكن هناك خطورة إجرامية منه . وكيف يعاقبنا الله على أمر هو فرضه علينا وهو ما سيثير مسالة الجبر والاختيار .

لاشك في أن الاهتمام الذي يلاقيه الحامض النووي يتزايد باطراد ، ولا ينحصر هذا الاهتمام في مجال الإثبات الجنائي فحسب ولكن في مجال الأمراض والطفرات الوراثية ، بل والحرب البيولوجية أيضا ، فقد أدرك العلماء خلال العقدين الأخيرين أن للوراثة لغة خاصة بها مثل أي لغة أخرى ، مكتوبة ومقروءة ، وهي لغة واحدة بين جميع الكائنات الحية – فتبارك الله أحسن الخالقين – وأن أبجديات هذه اللغة تتكون من أربعة حروف تستخدم في كتابة كلماتها وجملها .

وتعود أصول الوراثة إلى نظرية مندل صاحب نظرية أن كل صفة تكون لها اصل من الأب أو الأم وقد عمل على نبات البسلة في نفس الوقت الذي عمل فيه داروين في كتابه اصل الأنواع وتحدث عن الوراثة المزجية . فالصفات العامة لأي كائن حي يكون لها أساس مادي ، وفي عام 1900 اكتشف العلماء قوانين مندل من العمل على حشرة الدروسوفيلا (ذبابة الفاكهة ) - أي عاشقة العسل ذات البطن السوداء - لأنها كل عشرة أيام تنتج جيل جديد من الأبناء ، فلاحظوا أن لون العين احمر لكنه ينتج أبناء لون العين لديهم ابيض .

فالحامض النووي أو
D N A عبارة عن مادة كيميائية عجيبة تتحكم في تطوير شكل الخلايا والأنسجة في كل شخص فهي بمثابة خريطة أو مخطط خاص بتطوير الجسم محفوظة في داخل كل خلية من خلايا الجسم . فمن المعروف أن جسم الإنسان عبارة عن مجموعة من الأعضاء ، والتي تتكون بدورها من أنسجة متباينة وقوام هذه الأنسجة خلايا نوعية مميزة لكل نسيج .

فالخلية هي الوحدة الأساسية في تكوين جسم الإنسان والتي تترابط وتتجمع مع بعضها البعض لتكون الأنسجة المختلفة ، وتقوم هذه الأعضاء بإدارة هذه الوظائف من النوع الفسيولوجي أو السيكولوجي . وقد سمى هذا الحمض بالنووي نظرا لتواجده وتمركزه دائما في أنوية خلايا الكائنات الحية جميعا سواء كانت بكتريا أو فطريات أو نباتات أم حيوانات انتهاء بالإنسان ويوجد هذا الحمض على صورة كروموسومات .

لقد بدأ خلق الإنسان من نطفة ، فقد قال الله
I : ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ ، وفي آية أخرى ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ والنطفة ثلاثة أنواع :

الأول نطفة مؤنثة وهى البويضة التي يفرزها المبيض في المرأة مرة واحدة كل شهر ، الثاني نطفة مذكرة وهى الحيوانات المنوية في الرجل ، الثالث نطفة أمشاج وهى النطفة المختلطة من الحيوان المنوي الذي لقح البويضة وهنا تتكاثر النطفة الأمشاج أو الخلية الأم وتنقسم إلى خليتين متماثلتين يقومان بالتكاثر فيصبحان أربع خلايا فثمانية فستة عشر وهكذا حتى تتحول إلى علقة تعلق بجدار الرحم والتي تتحول إلى مضغة غير مخلقة أي كتلة من الخلايا البشرية . وعن طريق الخريطة المحفوظة على شريط
D N A تصدر الأوامر إلى هذه الخلايا لتتشكل وتتجمع تبعا لوظائفها لتكون شخصا كاملا، فتبارك الله أحسن الخالقين .

لكن يجب أن يتضاعف
D N A في داخل الخلية المشيج أولا قبل أن تتضاعف الخلية ، ومن المعروف أن D N A يوجد في أنوية جميع الخلايا باستثناء كرات الدم الحمراء حيث لا يوجد فيها نواة ، ويوجد في الجسم نوعان من الخلايا ، خلايا جسدية وخلايا تناسلية ، ونواة كل خلية جسدية تحتوى على (23) زوج من الكروموسومات أحدهما هو كروموسوم الجنس ، ويرمز له في الذكر بالحروف ( XY ) ، وفى الأنثى ( XX ) هذا في الخلية الجسدية أما الخلايا الجنسية فتحتوى على (23) كروموسوم فقط . وبتمام عملية التخصيب واتحاد المشيج المذكر والمؤنث تتحول الخلايا الجنسية إلى خلايا جسدية .

وكان العالم فردرتش مايشر (1844- 1895) هو أول من استطاع فصل حمض
DNA . وقد كان أوزوالد أيفري هو أول من اكتشف عام 1944 أن الحمض النووي هو مادة الوراثة وكان تشارجاف CHARGAFF قد اكتشف في أواخر عام 1948 أن كل البشر يكون عندهم D N A له نفس التركيب الكيميائي ، لكن الاختلاف يكون في نسب النيوكليوتيدات ، حيث يتكون D N A في كل الكائنات من نفس النيوكليوتيدات .

وفي الخامس والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 1953 نشرت دورية نيتشر العلمية مقالا بقلم كل العالمين جيمس واطسون الأمريكي وفرانسيس كريك البريطاني (
Watson & Crick) يصفان فيه نموذج تركيب الحمض النووي " DNA" الذي تمكنا من اكتشافه.

وفي عام 1954وفى جامعة كامبردج بإنجلترا قاما بتقديم نموذج للتركيب الجزيئي لمادة
D N A والتي أيدتها تجارب النيوزلندي موريس ولكنز ، ومن أجل أهمية هذا الإنجاز منح العلماء الثلاثة في عام 1962 جائزة نوبل في الطب .

فقد وجد أن
D N A له تركيبة واحدة لا يتغير شكلها في الإنسان والكائنات الراقية (Higher Organisms) ويتكون جزآه من شريطين أو سلسلتين جانبيتين ملتفين حول بعضهما ليشبها السلم الخشبي الذي تتكون جوانبه من جزئيات السكر الخماسي والفوسفات بطريقة متتابعة ، وتتكون درجاته من مجموعة من القواعد النيتروجينية (nitrogen) غير أن السلم يلتف حول نفسه متخذا شكل السلم الحلزوني لذلك يطلق عليه اسم (اللولب أو الحلزون المزدوج) .

فكل شريط يتكون من وحدات متكررة تسمى النيوكليوتيدات . وهى تمثل الوحدة البنائية لجزيء الحمض النووي وتتركب كلا منها من جزيء سكر خماسي يرتبط بمجموعة فوسفات وواحدة من أربع قواعد نيتروجينية والقاعدة النيتروجينية قد تكون أحد مشتقات البيريميدين. أحادى الحلقة وهى إما ثايمين (
T ) أو سيتوزين (C) وقد تكون أحد مشتقات البيورين ثنائي الحلقة وهى أدينين (A) أو جوانين (G).

ولقد توصل العلماء في عام 1977 إلى طرق يمكن بها تحديد تتابعات النيوكليوتيدات في جزئ
D N A . وفى عام 1984 اكتشف عالم وراثة يسمى إليك جيفري التسلسل العجيب لهذه القواعد النيتروجينية المكونة لجزئ الحمض النووي ، ووجد أن هذا التسلسل لا يتشابه فيه اثنان من البشر على وجه الأرض ، إلا في حالات التوائم المتماثلة ، والتي أصلها بويضة واحدة وحيوان منوي واحد .

ولكي تتكون الروابط الهيدروجينية بشكل سليم بين زوجي القواعد النيتروجينية فقد رأى واطسون وكريك أن شريطي النيوكليوتيدات في جزئ
D N A يكون أحدهما في وضع معاكس للأخر . فتكون مجموعة الفوسفات الطرفية متصلة بذرة الكربون رقم (5) في السكر الخماسي في شريطي D N A عند الطرفين المعاكسين .

وقد أكد واطسون وكريك في نموذجيهما أن تتابع النيوكليوتيدات في كل شريط من الاثنين يوفر المعلومات اللازمة لإنتاج الشريط المقابل ، فمثلا إذا كان تتابع القواعد النيتروجينية في جزء من الشريط (
A- A -T -C-C ) فإن قطعة الشريط المقابل والتي ستتكامل معها لابد وأن تكون ( T-T-A-G-G ) فإذا فصلنا شريطي D N A عن بعضهما البعض فإن كل منهما يمكن أن يعمل كقالب لإنتاج شريط يتكامل معه . 95 % من المادة الوراثية لا تعمل كمناطق فاعلة في الشريط فلا تنتج القواعد أحماض أمينية ولا تكون البروتين فنقوم بالقص للقطع الخاملة واللصق للقطع المستعملة فقط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق